المحرر موضوع: ذهنية القرن العشرين في القضية الكردية  (زيارة 3951 مرات)

فتى الخليج

  • كاتبي المواضيع
  • Newbie
  • ***
  • مشاركة: 17
ذهنية القرن العشرين و قصور التصور
شاهوز حسن
إن البحث في موضوع شائك كالقضية الكردية لا يمكن أن يقتصر من حيث التناول بالاستناد الى بعض المنطلقات النظرية الخاصة بالقرن العشرين و الاكتفاء بذلك، فواقع النضال الكردي يحتم على الجميع رؤية الحقائق كما هي ولهذا علينا بالدرجة الأولى معرفة  أن فصل القضايا عن بعضها وتجزئتها أصلا نابع من الفكر الأوربي التجزيئي الذي يجزأ كل شيء، وهم مستفيدون كثيرا من تفتيت وتجزئة الفكر وممارساته والسياسة والجغرافيا والمجتمعات والأفراد ضمن المجتمعات والبلدان الشرق أوسطية والعالم.
إذاً القضية بالدرجة الاولى هي قضية كسر القيود على الذهنية وتحريرها من الفكر الغربي "المستعمر" فبدون التحرر من ذهنيته ومقارباته لا يمكن التحرر من آثاره التي تتمثل في الأنظمة القائمة في الشرق الاوسط، فأصل القضية اليوم تتمثل في نظام الدولة القومية الراهنة في الشرق الاوسط وبدون تجاوزها لا يمكن تحقيق الجديد ومن أجل تجاوزها يتطلب معرفة أنها ليست مقدسة وأنها أصل القضية وليست الحل، وبالأصل هي الطرح الاوربي الرأسمالي وأساسيات نظامه ودائما سعى لنسخها بشكل يتوافق مع مصالحه وسياساته التي تستند الى "فرق تسد" وهو المستفيد الوحيد من تحارب وتناحر شعوب الشرق الاوسط ومجتمعاتها وفق منطق الأثنية والمذهب والدين .. وكل الوقائع التاريخية تشير إلى أنه ما من حرب صغيرة أو كبيرة إلا وكان للغرب يد فيها أو أنه كان المستفيد منها بشكل ما ولنقرأ تاريخ منطقتنا خلال القرن الماضي وسنرى هذه الحقائق بشكل واضح وصريح.
بهذا المعنى فنحن أمام قضية ذهنية حقيقية ويتطلب معالجتها بسرعة خاصة من قبل من يدعي أنه مع التجديد والتغيير والديمقراطية وهذه القضية هي "إشكالية الدولة والديمقراطية" وهذا موضوع يطول شرحه ولا مجال كثيرا لنقاشه في هذه المقالة ولكن فقط أود أن أشير إلى أنه دائما هناك تعارض بين مفهوم الدولة كسلطة عليا تحكم وتتحكم بمصائر المجتمعات والأفراد ومفهوم الديمقراطية الذي يفسح مجال أكبر للحريات المجتمعية والفردية.
بالأصل فإن شكل الدولة القومية "الشرق أوسطية" هي مزيج من التقليد الأوربي "الدولة القومية" والأصول التاريخية لنظام الدولة الاستبدادية التي تسعى للسيطرة على المجتمعات من خلال ممارسات صارمة وقمعية وتصبح الدولة أداة في يد فئة حاكمة لا تتخلى عن سلطتها إلا من خلال الثورة أو الانقلابات العسكرية ولكن بقيت المجتمعات الشرق أوسطية دائما محافظة في داخلها على طباعها الأخلاقية والوجدانية وتمكنت دائما من مقاومة نظام الدولة الهرمي من خلال حفاظها على النسيج المجتمعي "الحر والديمقراطي"  نوعا ما، إلا أنه مع انتشار الفكر القومي وطموح إنشاء الدولة القومية في الشرق الأوسط  بدأت التصفيات الكبيرة والمجازر الرهيبة في المنطقة ولحد الآن لم تتمكن مجتمعات المنطقة التخلص من التناحر والتقاتل فيما بينها وما تزال اللعبة متسمرة وحان وقت أن تقول مجتمعاتنا لهذا اللعبة "كفى" وتبدأ بتسجيل تاريخها من جديد وبشكل يتناسب مع أدائها الحضاري التاريخي (طبعا بإضفاء التجديد عليه بشكل يتناسب مع الحاضر).
لهذا يمكننا مناقشة مفهوم الدولة القومية ومفهوم الأمة الديمقراطية بشكل يتناسب مع متطلبات المرحلة الراهنة التي تمر بها المنطقة وبشكل خاص سوريا وغرب كردستان. فالدولة القومية كنظرية تتخذ من المواطن ذو اللغة الواحدة والقومية الواحدة أساسا لها، وتشترط أن يكون المواطن ملتزما بعقيدة الدولة الرسمية (العقيدة القومية الشوفينية) التي ترفض الألوان والحقائق الاجتماعية المختلفة عنها وتراها خطرة على وجودها وتقوم باتهام أي مواطن أو جماعة تسعى لنيل حقوقها المشروعة بأنه مشروع انفصال، وتسعى بكل ما لديها من قوة لفرض الصهر القومي على كافة مكونات النسيج المجتمعي ضمن حدود الوطن الذي يعتبر ملكا للقومية الحاكمة وصاحبة الدولة، والقمة التي يمكن أن تصلها نظرية الدولة القومية هي الفاشية.
أما الأمة الديمقراطية فهي مفهوم جديد طرحه القائد عبد الله أوجلان ويتبنى كافة التعدديات الموجودة ضمن الوطن بشكل يضمن حقوق وحريات جميع الأثنيات والقوميات والثقافات واللغات والأديان، ولا تعمل على تعريف الأمة على أنها تساوي الدولة بل تؤمن بأنهما كيانان مختلفان. ومن جانب آخر يتم طرح مفهوم الأمة الديمقراطية على أساس تحقيق التوازن بين الحقوق الجماعية والفردية ولكي يكون مصطلح المواطن حقيقيا وواقعا ملموسا يتطلب ضمان الحقوق الجماعية والفردية في دستور ديمقراطي وأن يكون المواطن فعالا في مجتمعه من خلال انتسابه الى مجموعة أو جماعة أو مجتمع مدني، وبهذا الصدد يمكننا ذكر مدى خطورة التلاعب والتحايل الذي يتقرب بها البعض من القضية الكردية حين طرحها للنقاش، فيقولون وفق مفهوم المواطنة والدولة المدنية وما إلى ذلك من ديماغوجية وسفسطة تدعم فقط مفهوم ونظرية الدولة القومية والسيطرة والتحكم في البلد. لأنه بدون تقبل وجود القضية الكردية وتقبل الوجود الكردي كواقع مجتمعي حر له الحق في ممارسة السياسة وتطوير مجتمعه وثقافته، لا يمكن أن يحصل الكرد على حقوقهم وفق الحقوق الفردية لوحدها على أساس المواطنة، فإذا هذه المواطنة ليست حرة وليست حقيقية لا على المستوى الفردي ولا على المستوى الجماعي والسفسطة والديماغوجية هنا تسعى فقط لرفض الحقيقة المجتمعية للشعب الكردي وإنكار وجودها، وهذه الأفكار لا يمكنها تحقيق سوريا المستقبل بشكل يتناسب مع الحقيقة الاجتماعية والسياسية والثقافية لمكونات النسيج الاجتماعي في سوريا. وهكذا فإن طرح مفهوم الأمة الديمقراطية يكون هو الأمل والذي من خلاله يمكن مناقشة الأفكار واحترام الثقافات المختلفة والتنوع الأثني والاجتماعي والسياسي في سوريا.
وما تشهده سوريا في يومنا الراهن يثبت بشكل كبير فشل الطرح القومي الشوفيني ومن أجل أن نعمل معا من أجل مستقبل يضمن الحقوق والحريات لجميع الأفراد والجماعات التي تعيش في سوريا علينا التحرر من ذهنية الدولة القومية الضيقة ونتجه نحو تحقيق روح ديمقراطية تليق بشعبنا وتاريخنا على أساس الأخوة والتعايش وهذا ممكن من خلال العمل وفق مفهوم الأمة الديمقراطية.
يا بنات الخليج ... منهو يحالي حلاكن ..... انتن جمال الكون كله مجتمع فيكن

الحلا ... نجم ساطع تعلا في سماكن ...... حتى السحابة لغيابكن تبكي عليكن